فصل: مسألة دفع إلى رجل مالا قراضا فتجهز منه بطعام وكسوة ثم هلك الرجل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة دفع إلى رجل مالا قراضا وأذن له في مداينة الناس فداين وعمل:

وسئل مالك: عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا وأذن له في مداينة الناس فداين وعمل، ثم إنه وقع بينهما كلام، فقال له العامل: هذا ما اشتريت بمالك حاضرا، وما كان منه غائبا فهذه ذكور حقوقك فخذ ذلك كله وأخرجني منه واقبض لنفسك وبع لها. قال: لا بأس بذلك.
فقلت: له: أفلا ترى فيه غررا؟
قال: لا، إنما هو مثل الذي يموت فيأبى الورثة أن يعملوا فيكون له، أو الرجل يأخذ المال قراضا فيشتري فيصيبه مرض أو يضعف عن القيام فيه فيسلم ذلك إلى صاحب المال فلا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: أما مرض أو ضعف عن القيام في المال فالأمر في جواز ذلك ظاهر؛ لأنه يشبه الموت. وأما إذا أسلم المال إلى رب المال وتخلى عن القراض إليه برضاه وهو قد أنشب المال في سلع وديون فالأظهر أنه لا يجوز على ما قاله سحنون في أول رسم من السماع. وقد مضى الكلام على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة السنة في القراض لا يقسم الربح إلا عند المفاصلة:

وسئل مالك: عن الرجل يأخذ المال قراضا فيشتري متاعا ويداين فإذا كان على رأس حول دعا صاحبه إلى أن يحاسبه فيقول عندي كذا وكذا من النقد، وكذا وكذا من العروض، والدين كذا وكذا، ويقول له صاحب المال: أنا أعطيك ربحك من النقد وأبريك من الدين وهو رأس مالي والعرض إن دخل فيه نقضان إلا أن العامل يعمل فيه كما هو، قال: لا خير فيه حتى يحصل المال.
قال محمد بن رشد: قوله إلا أن العامل يعمل فيه كما هو، أي: حتى ينض المال بقبض الدين وبيع العروض وقبض أثمانها، وإنما لم يجز ذلك، وقال: إنه لا خير فيه لأن السنة في القراض لا يقسم الربح إلا عند المفاصلة إما بعد نضوض المال وإما بأن يرضي رب المال أن يخرج في رأس ماله إلى دين أو يأخذ فيه عرضا.
فقد حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك أنه قال: وإذا تفاصل رب المال مع العامل في القراض واقتسما الربح فلا بأس أن يأخذ رب المال رأس المال عينا ثم يقاسمه ما بقي من سلع أو غيرها، أو يأخذ رب المال في رأس ماله سلعة ثم يقاسمه فيما بقي من عين أو عرض.
فإذا لم يكن للعامل أن يقبض حصته من الربح حتى ينض رأس المال إلا برضا رب المال بالمفاصلة قبل نضوضه كان رب المال إنما فاصله قبل نضوضه وعجل له حصته من الربح قبل أن ينض رأس المال على أن يعمل في المال حتى ينض باطلا بغير شيء يكون له، فيدخله سلف جر منفعة، وبالله التوفيق.

.مسألة المقارض يحاسب صاحبه ثم يأتي بعد ذلك يذكر أنه نسي الزكاة:

ومن كتاب حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان:
قال: سئل مالك: عن المقارض يحاسب صاحبه ويقول قد تهضمت لك وحملت على نفسي، ثم يأتي بعد ذلك يذكر أنه نسي الزكاة وغير ذلك.
قال: لا يقبل قوله إلا أن يأتي على ذلك ببينة أو أمر لا يستنكر فيه قوله، وأمر يعرف به وجه ثبات ما رفع من ذلك.
قال ابن القاسم: وسمعته وسألناه عن مقارض عمل ودفع إلى صاحبه رأس ماله وربحه ثم جاء بعد ذلك يطلب نفقته ويقول أنفقت من مالي ونسيت حتى دفعت إليك. قال: لا يحلف ويكون القول قوله.
قال محمد بن رشد: أما المسألة الأولى فلا اختلاف فيها أنه لا يصدق فيما ادعى أنه نسيه عند المحاسبة لقوله قد تهضمت لك وحملت على نفسي لاحتمال أن يكون هذا الذي ادعى أنه نسيه هو الذي تهضم فيه وحمل فيه على نفسه، إلا أن يأتي بدليل على صحة دعواه.
وأما المسألة الثانية ففي المسألة خلافها أنه لا يقبل قوله فيما ادعى أن له في المال بعد أن حاسب صاحبه وقاسمه ودفع إليه ماله وهو الأظهر؛ لأن دفع ماله إليه كالإقرار أنه لا حق له فيه، فهو مدعى عليه فما يريد أن يخرجه من يده بعد أن دفعه إليه.
ووجه القول الثاني: أن الغلط والنسيان ليس أحد بمعصوم منه، فوجب أن يصدق بعد كما كان يصدق قبل، وهذا يشبه اختلافهم فيمن باع مساومة ثم ادعى الغلط، وبالله التوفيق.

.مسألة أقام في الحضر في تجارة القراض مشتغلا بها نهاره كله:

ومن كتاب أوله سلف في المتاع:
وقال مالك فيمن أقام في الحضر في تجارة القراض مشتغلا بها نهاره كله: لا أرى أن ينفق من مال القراض شيئا على نفسه في غداء ولا غيره.
قال محمد بن رشد: هذا خلاف قول الليث بن سعد في المدونة أنه لا بأس إذا اشتغل في السوق أن يتغدى بالأفلس، وقوله أظهر. وقد مضى من قول مالك في أول رسم شك ما يضاهي قوله على ما بيناه هناك، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة يقارضه بمال فيشتري متاعا فيريد أن يبيع المتاع فلا يعجبه الثمن:

ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس:
وسئل مالك: عن الرجل يقارض الرجل بمال فيشتري متاعا فيريد المقارض أن يبيع المتاع فلا يجد به ما يعجبه من الثمن، فيقول لصاحب المال: بعنيه وأنا أنقدك من ثمنه كذا وكذا، ثم أنظرني ببقية الثمن شهرا أو شهرين، قال: لا خير في ذلك، قال ابن القاسم: وقد سمعته غير مرة يكرهه وكأنه ينحو إلى وجه كأنه أعطاه مائة بخمسين ومائة إلى أجل.
قال محمد بن رشد: في النوادر متصل بهذه المسألة. قال ابن القاسم في رواية يحيى: إن ابتاعه بنقد فجائز، وإن كان بتأخير بمثل الثمن فأقل فجائز، وإن كان بأكثر فلا يجوز، وإن أراد رب المال أن يشتريها بنقد أو إلى أجل فلا بأس به، ومثله في رسم القطعان من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب وهو صحيح لهذه الرواية وغيرها.
وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في أول مسألة من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة دفع إلى رجل مالا قراضا فتجهز منه بطعام وكسوة ثم هلك الرجل:

ومن كلاب باع غلاما وسئل مالك: عن رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فتجهز منه بطعام وكسوة ثم هلك الرجل فأراد الوصي أن يأخذ ذلك المال. قال: أرى ذلك له، وأرى أن يأخذ منه ذلك الطعام والكسوة التي اشترى من مال الميت.
قال سحنون: ليس ذلك للوصي؛ لأنه هو لو كان حيا لم يكن له أن يأخذ ذلك منه، إلا أن يكون لم يحرك من المال إلا في كسوة نفسه وطعامه، فهو كما ذكر في المسألة.
قال محمد بن رشد: معنى ما تكلم عليه مالك أن العامل لم يتجهز من المال إلا في كسوة نفسه وطعامه، وذلك بين من قوله: وأرى أن يأخذ منه ذلك الطعام والكسوة التي اشتريت من مال الميت، يريد: ولا يترك له من أجل أنه اشتراها لنفسه، وإن كان قدر ذلك يسيرا إذا لم يعمل بالمال فيترك له الشيء اليسير كما قال في المسألة التي بعدها، ويحتمل أن يريد وهو الأظهر أنه يؤخذ منه ذلك الطعام وتلك الكسوة، ولا يضمن الثمن التي اشتراها به من أجل أنه اشتراها لنفسه، إذ لو رأى إذا تجهز من المال بطعام وكسوة للتجارة لا لنفسه أن يؤخذ المال منه لما كان إشكال في أنه يؤخذ منه ما كان تجهز به حتى يحتاج إلى بيانه، فقول سحنون صحيح في أنه لا فرق في ذلك بين الوصي وبينه هو لو كان حيا، وتأويله على مالك أنه فرق بين الوجهين غير صحيح.
وينبغي إذا أخذت منه الكسوة أنه اشتراها لنفسه والطعام وأخرج من القراض أن يعطى أجرة مثله في ابتياعه الكسوة والطعام، وبالله التوفيق.

.مسألة ما يفضل عند المقارض إذا قدم من سفره مثل الجبة وأشباه ذلك:

وقال مالك فيما يفضل عند المقارض إذا قدم من سفره مثل الجبة وأشباه ذلك، فقال: ما علمت أنه يؤخذ منه مثل هذا.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في نوازل سحنون أن رب المال إذا أخذ ماله من العامل لا يؤخذ منه الثياب التي كان اشتراها لسفره من مال القراض إلا أن يكون لها قدر وبال. ومثله لمالك في موطئه. وهو استحسان على غير حقيقة القياس ليسارة ذلك مع العرف الجاري فيه على أصله في كتاب الحدود في القذف من المدونة في الرجل يكسو امرأته كسوة السنة بفريضة من السلطان أو بغير فريضة ثم يموت أحدهما قبل انقضاء السنة أنه استحسن ألا يتبع المرأة بشيء من ذلك لما بقي من السنة بخلاف النفقة، وبالله التوفيق.

.مسألة تجار حبوب لا تحمل أموالهم ما يشترون فيأتون إلى أقوام يسألونهم قراضا:

ومن كتاب أوله مساجد القبائل:
وسئل مالك: عن القوم يشترون التجارات من الحبوب والصوف وأشباه ذلك فلا تحمل أموالهم ما يشترون، فيأتون إلى أقوام يسألونهم أن يعطوهم أموالا قراضا ولا يعلمونهم بما كانوا اشتروا ويجعلونها قراضا فيما بينهم وبين الذين قارضوهم، أترى ذلك يصلح؟ قال: لو صح ذلك لم أر به بأسا، قيل له: فما الذي تخاف ألا يصح؟ قال: يشتري سلعة غائبة فيندم فيها فيأخذ هذا المال فينقده فيها.
قال ابن القاسم: لا يعجبني العمل بهذا وإن صح، قال سحنون مثله.
قال محمد بن رشد: كراهية مالك لهذا العمل مخافة ألا يصح، وإجازته له إذا صح هو مذهبه في المدونة؛ لأنه قال فيها: إني أخاف أن يكون قد استغلاها فيدخل مال الرجل فيه فلا أحب هذا.
وزاد في أصل الأسدية تتميما لقوله ولو أعلم أن ذلك صحيح لم يكن لغلا وقع فيه وما أشبهه لم يكن به بأس وقول ابن القاسم لا يعجبني العمل بهذا وإن صح أصح والله أعلم؛ لأن الذي نواه أخذ المال من أن ينفذ ماله فيما قد اشتراه لو علم به رب المال لما جاز باتفاق.
وإن صح أن ذلك لم يفعله لغلاء وقع فيه لأنه بمنزلة رجل سلف رجلا مالا على أن ينفذه في سلعة اشتراها على أن له نصف ما يربح فيها وعليه جميع ما كان فيها من وضيعة، وذلك أنه يحمل أمرهما على أنه لما اشترى السلعة فقصر ما عنده عن ثمنها وعلم أنه إن سأل الرجل أن يسلفه ما نقصه من ثمنها يأبى ذلك عليه، وإن قال له: أعطني ما نقصني من ثمنها ويكون لك نصف ربحها كان ذلك حراما لا يجوز أخذه منه باسم القراض ونيته فيه ما تقدم، فوجب ألا يجوز. ولذلك تابعه عليه سحنون فقال لا خير فيه.
ففرق مالك بين أن يعلمه بذلك أو لا يعلمه به في المدونة، وساوى بينهما ابن القاسم على ما وقع له هاهنا، وسحنون أيضا.
ولذلك قال فيما رأيت له في بعض حواشي كتب المدونة على المسألة الثانية إذا أعلمه: هذه جيدة أصح من الأولى، يريد: إذا لم يعلمه، فإذا وقع ذلك كان الحكم فيه على مذهب مالك أن يكون لرب المال أن يأخذ ماله كاملا إن بيعت السلعة بوضعية إلا أن يبين العامل أنه لم يفعل ذلك إلا على وجه الصحة لا لغلاء وقع فيه، وإن عجز عن تبيين ذلك ودعا إلى تحليف رب المال على أنه قد أعلمه كان ذلك له إن حقق عليه الدعوى باتفاق، وإن لم يحققها عليه على اختلاف، وأما إن باع العامل السلعة بربح فادعى أنه كان استغلاها ولذلك أخذ المال لينقده فيها ليرد إلى رب المال رأس ماله ويستبد هو بالربح لم يصدق في ذلك إلا أن يقيم عليه بينة.
وأما على مذهب ابن القاسم وسحنون فليس لرب المال إلا رأس ماله بيعت السلعة بربح أو وضيعة، وإن تلفت فالعامل ضامن للمال بمنزلة إذا أعلمه أنه ينقده ماله في السلعة التي اشترى لأنه إذا أخذه لينقده في ثمن السلعة التي اشترى فكأنه استسلفه منه على أن له نصف ما يربح في السلعة، فإذا لم يعلم رب المال بذلك كان هو المنفرد بالإثم دونه، ووجب عليه أن يرد إليه رأس ماله، وإذا أعلمه بذلك اشتركا في الإثم، فهذا وجه القول في هذه المسألة.
وأما إذا أتاه قبل أن يشتري فقال له إني وجدت سلعة رخيصة فادفع إلي مالا أشتريها به على سبيل القراض فذلك جائز، وقد فعله عثمان بن عفان إذا لم يسم السلعة ولا صاحبها البائع لها، فإن سمى السلعة أو الرجل لم تجز وكان العامل في ذلك أجيرا، وبالله التوفيق.

.مسألة قراض النقدين الذهب والفضة:

وسئل مالك: عن قراض النقرين الذهب والفضة؟ فقال: لا.
قال ابن القاسم: إذا وقع لم أفسخه وأنفذت بينهما شرطهما من الربح. قال ابن القاسم: عمل أو لم يعمل، ربح أو لم يربح، هو قراض ما هو واجب لهما متاركته إذا لم يعمل.
قال أصبغ: قلت لابن القاسم: فالفلوس أيقارض بها؟ قال: لا، أنا أكرهه وكره القراض بها، قلت: فإن وقع وجاء فيه ربح أو وضيعة فوقف ولم يجب فيه بشيء، قال أصبغ: هو عندي كالنقر أرى أن يمضي. وقد جرى مجرى العين من كتاب البيع والصرف.
قال محمد بن رشد: أما القراض بنقر الذهب والفضة في البلد الذي يدار فيه نقر الفضة والذهب وأتبارهما ويتبايع فيه فذلك جائز على ما وقع في سماع يحيى بعد هذا من هذا الكتاب ولا اختلاف في هذا.
وأما القراض بها في البلد الذي لا تدار فيه وإنما يبتاع الناس فيه بالدنانير والدراهم المضروبة، ففي ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أن ذلك لا يجوز. وهو ظاهر قول مالك في رواية ابن القاسم هذه عنه. وقد روي عنه مثل هذا الظاهر نصا أن ذلك لا يجوز.
والعلة في ذلك: أنه لما كان البلد لا يبتاع بها فيه فكأنه قال له بعها أو استضربها واعمل قراضا بالثمن الذي تبيعها به أو بالعدد الذي يخرج في الضرب منها، فأشبه القراض بالعروض إذا قال له بعها واعمل بثمنها قراضا، فإن وقع ذلك كان له أجر مثلها في بيعها أو استضرابها، ويكون رأس المال الذي يرد إذا نص القراض الثمن الذي باعها به أو العدد الذي خرج منها، ويكون في ذلك على قراض مثله.
والقول الثاني: يكره ابتداء فإن وقع نفذ ومضى على شرطهما من الربح عمل أو لم يعمل ربح أو لم يربح.
وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية وفي سماع يحمى بعد هذا وقول أصبغ في كتاب محمد وقول ابن حبيب في الواضحة، ويكون رأس المال الذي يرد العامل إذا نض المال مثل النقد الذي أخذ في طيبها وزنتها، فإن لم يعرفا لها زنة فرأس ماله فيه الثمن الذي باعها به أو العدد الذي خرج فيها إن كان استضربها ولم يبعها، وان كان باعها بعروض ولم يعرفا لها وزنا فرأس المال فيه قيمتها من الذهب إن كانت نقر فضة أو قيمتها من الفضة إن كانت نقر ذهب. قال ابن حبيب في الواضحة: إلا أن يكون يوم قارضه قال له بعها أو استضربها فيكون رأس ماله ما باعها به أو ما خرج في استضرابها عرفا وزن التبر والنقر التي أعطاه أو جهلاه، ويكون له أجرة مثله في بيعه إياها بالدنانير أو استضرابه لها إن كان في ذلك مؤنة وفي مثله كراء، ثم يكون فيما نض في لديه من ذلك على قراض مثله. هذا قول ابن حبيب في الواضحة، ففرق بين أن يشترط عليه بيعها أو استضرابها وبين أن لا يشترط ذلك عليه.
وقد علم أنه لابد له من بيعها أو استضرابها وإن لم يشترط ذلك عليه إذا كان البلد لا يبتاع فيه بها، والمعنى في ذلك: أنه إذا اشترط عليه ذلك فقد شرط أن القراض إنما يكون من بعد بيعها أو استضرابها وإذا لم يشترط ذلك عليه فقد جعلها قراضا من يوم دفعها إليه، وقد يبيعها بعروض وإن كان البلد لا يبتاع فيه بها، فيكون بيعه لها بالعروض من التجارة، ويرد مثل ما دفع إليه إذا نض القراض؛ لأنها لا تتغير ولا تختلف أسواقها، بخلاف العروض، فلذلك جاز القراض بها عند من أجازه.
والقول الثالث: أن القراض بها جائز ابتداء. وهو قول مالك في رواية أشهب عنه بعد هذا في رسم مسائل بيوع. وقد سئل: عن القراض في نقر الذهب والفضة أيصلح؟ قال: نعم في رأيي قد قارض الناس قبل أن يضرب الذهب والفضة، قلت: ويرد نقرا مثلها؟ قال: نعم، وقول ابن وهب وروايته عن مالك.
وأما القراض بالفلوس فهو أشد عند ابن القاسم من القراض بنقر الفضة والذهب؛ لأنها تشبه العروض في أنها تحول بالنفاق والكساد والفساد فلذلك وقف فيه، إذا لم يعثر عليه حين وقع حتى جاء فيه ربح أو وضيعة. وفيها أيضا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها كالعروض في أن القراض لا يجوز بها من أجل أنها تحول إلى النفاق والكساد والفساد، وهو قول ابن القاسم في أول كتاب القراض من المدونة.
واحتج بأنها تشبه العروض ولا تشبه العين برواية عبد الرحمن عن مالك في إجازة شرائها بالدنانير والدراهم نظرة، فإن وقع القراض بها على هذا القول رد العامل فيها إلى قراض مثله، وكان رأس المال الذي يرده إذا نض المال قيمة الفلوس من الدنانير والدراهم يوم دفعها إليه.
والقول الثاني: أن القراض بها مكروه فإذا وقع مضى على شرطهما من الربح ولم يرد، وكان رأس المال الذي يرده العامل إذا نض المال مثل الفلوس الذي دفع إليه رب المال.
والقول الثالث: أن القراض بها جائز ابتداء وهو قول أشهب في ديوانه، قال: لأنها كالعين في أنه لا يجوز بيعها بالدنانير والدراهم نظرة وليس الاعتبار بالصرف في جواز القراض بها ولا منعه ببين.
إذ قد اختلف في ذلك قول مالك، وإنما العلة الصحيحة التي يجب الاعتبار بها في ذلك حوالتها إلى النفاق والكساد والفساد، فإن كان يؤمن ذلك في الغالب عليها وكان يتبايع بها في البلد لم يجز القراض بها، إنما يجوز القراض بها عند من أجازه في الشيء اليسير الذي يتبايع فيه بالفلوس كالبقول والفواكه وشبه ذلك، مع أنه رأى باجتهاده أنها لا تحول عن حالها من النفاق والكساد في أغلب الأحوال، والله أعلم.
واختلف قول مالك أيضا في جواز القراض بالحلي، فحكى ابن الجلاب عنه الروايتين في ذلك، ولم يجزه في كتاب ابن المواز ولا في سماع أشهب بعد هذا، وهو الصحيح المعروف.
قال في الموضعين: وقد سئل أيصلح أن يقارض من الذهب والفضة فيما كان مصوغا؟ ليس هكذا يقارض الناس. فقيل له: ذلك أحب إليك؟ قال: بل هو الشأن متى يأتي هذا المقارض بمثل الخلخال والسوار حتى يرد مثله.
وقال بعض المتأخرين:
القراض بالمصوغ على ثلاثة أوجه: جائز إذا كانوا يتبايعون به مثل ما بالمغرب بأرض المصامدة، ومكروه: إذا كانوا لا يتبايعون به ولا يتعذر عندهم المثل، وممنوع إذا كان المثل يتعذر، كما قال مالك: فمن أين يأتي بهذا الخلخال؟ وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى سلعة بألف دينار على أن ينقده مائة فنقد المائة التي عنده قراضا:

ومن كتاب القبلة:
قال مالك: من كانت عنده مائة دينار قراضا فاشترى سلعة بألف دينار على أن ينقده مائة، فنقد المائة التي عنده قراضا.
قال: هما شريكان في الزكاة بالحصص، وتقوم السلعة بالنقد فإن كانت قيمتها تسعمائة كان للقراض التسع من تلك القيمة.
قال ابن القاسم: وكذا الربح والوضيعة فيما بلغني عن مالك.
قال محمد بن رشد: قوله على أن ينقده مائة، يريد: والتسعمائة قبله وفي ذمته إلى أجل معلوم، والشراء له وللمال القراض، ولو كان اشتراها على أن تكون السلعة كلها للقراض ويؤدي رب المال التسعمائة عنده إذا حل الأجل لكان بالخيار بين أن يجيز ذلك ويؤدي التسعمائة إذا حل الأجل وتكون السلعة كلها على القراض، وبين ألا يجيز ذلك فلا يكون منها على القراض إلا بقدر المائة التي دفع إليه من قيمة السلعة يوم اشتراها، ويكون للمقارض منها قدر ما زادت قيمتها على المائة التي دفع إليه، هذا قوله في هذه الرواية أن السلعة تقوم بالنقد يريد يوم اشتراها، فإن كانت قيمتها تسعمائة كان للقراض التسع، ومثله في المجموعة وفي كتاب ابن المواز في القراض من المدونة. وقال محمد بن المواز: ليس هذا بشيء؛ لأنه إن استرخص لم ينتفع القراض بذلك، وإن استغلى لم يلحقه الغلاء، إذ لو كانت قيمتها بالنقد ألفا أو ألفا وخمسمائة لم يقع للقراض من ذلك إلا مائة.
والصواب من ذلك أن يقوم الدين. وقد روى عن مالك وعن ابن القاسم وأشهب أن ينظر إلى قيمته التسعمائة أن لو نقد بعرض، وينظر إلى قيمة العرض، فإن سوى ستمائة كان للقراض سبع السلعة فيما يقع لذلك من ربح أو وضيعة، وهو القياس؛ لأن الدين حكمه حكم العرض فكأنه قد اشترى السلعة بالمائة القراض وبعرض. فالواجب في ذلك بلا خلاف أن ينظر إلى قيمة العرض.
فإن كانت قيمته ستمائة كان للقراض السبع وإن كانت قيمته سبعمائة كان للقراض الثمن، وكذلك على هذا المثال ما زادت قيمته أو نقصت، وعلى هذا أصلح سحنون مسألة المدونة أن يقوم الثمن المؤجل لا السلعة، ووجه ما وقع في المدونة من تقويم السلعة هو أن الديون لما لم تجر العادة بتقويمها كانت قيمتها غير معروفة.
والغالب أن السلعة إنما تشترى بقيمتها دون غبن يجري في ذلك على البائع وعلى المبتاع. فالأحسن في هذا من أجل أن العادة لم تجر بتقويم الديون وأن السلع قد يتغابن في شرائها وإن كان الأغلب أنها إنما تشترى بالقيمة دون تغابن أن تقوم السلعة بالنقد وعلى أن يتأخر من الثمن تسعمائة إلى الأجل، فإن كانت قيمتها بالنقد ألف دينار وإن يتأخر من الثمن تسعمائة إلى ذلك الأجل ألف ومائتان، علمنا أنه قد زاد على قيمة السلعة بالنقد من أجل التأخير سدس الثمن؛ لأن المائتين التي بين الألف وبين الألف والمائتين سدس الألف والمائتين، فيحط من الألف التي اشترى بها السلعة سدسها وهو مائة وستة وستون وثلثان، فيكون الباقي هو ثمن السلعة وذلك ثمانمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، يكون القراض منها مائة، وذلك عشرها وخمسة أسباع عشر عشرها. وكذلك ما زاد أو نقص على هذا الحساب.
وكذلك لو اشترى سلعة بالنقد بأكثر من رأس مال القراض لكان شريكا للقراض بالزائد، وفي ذلك تفصيل وقع تفسيره في الدمياطية.
قال ابن القاسم فيها: في القراض وجهان لا يأبه كثير من الناس إليها، رجل أخذ مائة دينار قراضا وله مائة دينار لنفسه فخلطها بها ثم اشترى سلعة، قال: فهما شريكان وليس صاحب المال هنا مخيرا.
قال: وإن كان إنما أخذ مائة دينار قراضا ثم اشترى سلعة فيسلف فيها مائة دينار فصاحب المال بالخيار، إن شاء أن يؤدي ما سلف عليه أداه، وإن شاء كان شريكا في السلعة كذا وقع في الدمياطية، ولا فرق في القياس والنظر أن يخلط مائة بمائة القراض قبل الشراء، أو لا يخلطها بها إن قال في الوجهين جميعا إنما زدت المائة من مالي على أن أكون شريكا في السلعة بها، صدق في ذلك، ولم يكن لرب المال عليه في ذلك خيار.
وإن قال إنما زدت المائة من مالي على سبيل السلف لرب المال كان رب المال بالخيار إن شاء أن يؤدي المائة وتكون السلعة كلها على القراض كان ذلك له، وإن شاء كان شريكا في السلعة معه بها وللعامل في القراض إذا كان مديرا أن يشتري على القراض بالدين إلى أن يبيع ويقضي.
وأما إذا كان غير مدير فاشترى سلعة بجميع مال القراض فليس له أن يشتري غيرها بالدين على القراض، فإن فعل لم يكن على القراض وكان له ربحها وعليه وضيعتها، وإن أذن له رب المال في ذلك إلا أن يأذن له في أن يشتري على القراض على أنه إن ضاع مال القراض كان ضامنا لذلك في ذمته، فيجوز وتكون السلعة على القراض وسيأتي هذا المعنى في سماع أبي زيد.
وكذلك لو اشترى بالمال القراض سلعة فلم ينقده حتى اشترى سلعة أخرى على القراض كان ربحها له ووضعيتها عليه؛ لأن صاحب السلعة الأولى أحق بمال القراض إلا أن يأذن له رب المال في شرائها على القراض أنه ضامن للثمن إن تلف مال القراض، ولم يعط في المدونة في هذه المسألة جوابا بينا.
وإذا باع العامل السلعة التي اشترى للقراض بربح قبل إن ينقد ثمنها فالربح بينهما بمنزلة أن لو باعها بعد أن نقد.
وكذلك إن اشترى السلعة للقراض والمال غائب في بيته بمال من عنده أو بسلف من رب المال أو من غيره، فالربح بينهما على القراض وإن كان بيعه إياها قبل أن يقضي الثمن الذي تسلفه من المال الذي في البيت، وإن اشترى سلعة ثانية بالمال الذي في البيت بعد أن باع السلعة الأولى كانت على القراض أيضا، فإن خسر فيها جبره من ربح السلعة الأولى.
قاله ابن القاسم بعد هذا في رسم إن خرجت من سماع عيسى، ولو اشترى السلعة الثانية بالمال الذي في البيت قبل أن يبيع السلعة الأولى لم يكن على القراض وكان النقصان منه إن بيعت بنقصان لأنه متعد إذا اشترى به، وبائع السلعة الأولى أحق به، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.